هسبريس- الشيخ اليوسي
الثلاثاء 26 أبريل 2016 - 04:55
رسائل كثيرة حملها خطاب الملك محمد السادس، الأسبوع الماضي، خلال القمة الخليجية المغربية؛ أبرزها توجه المغرب إلى بناء شراكات إستراتيجية مع دول كبرى كروسيا والصين والهند؛ حيث أعلن الملك أنه سيزور كلا من الهند والصين، بعد أن شدد على أن زيارته الأخيرة التي قادته إلى موسكو، والتقى خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد كللت بالنجاح.
تحرك المغرب على الصعيد الدولي يأتي في سياق تعرف فيه قضية الصحراء، على الصعيد الدولي، منعرجا عبّر عنه الملك بالقول إن هناك محاولة تحاك ضد المملكة من أجل النيل من وحدتها الترابية، منتقدا ازدواجية المعايير لدى عدد من القوى في الساحة الدولية.
واختار العاهل المغربي لغة أكثر وضوحا في انتقاده للقوى الكبرى ومنطق تحالفاتها التي تقوم على مصالحها الخاصة بالأساس، وحذر من تحالفات "قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وهي في الحقيقة محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي"، على حد تعبير الملك محمد السادس.
وفي الوقت الذي كان فيه المغرب يعتمد، بشكل كبير، على فرنسا من أجل الترافع عن قضية الصحراء في مجلس الأمن باعتبارها إحدى الدول دائمة العضوية، فقد بدأ يبحث عن مدافعين جدد، خاصة بعد البلاغ المشترك الأخير للملك محمد السادس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي شدد على أن روسيا تأخذ بعين الاعتبار ما تم إنجازه في الأقاليم الصحراوية، ومقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل للنزاع.
خطاب موجه إلى الولايات المتحدة الباحث في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، وخلال حديثه عن رسائل الملك في الخطاب الأخير وإفصاحه عن توجه المغرب نحو بناء تحالفات جديدة، قال إن هجوم العاهل المغربي كان، بالأساس، على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مضيفا أن وصف الأمين العام للأمم المتحدة سيادة المغرب على الصحراء بـ"الاحتلال"، ليس زلة لسان، وإنما يعود ذلك إلى عدد من مساعديه يتقدمهم نائبه المكلف بالملف السياسي، جيفري فيلتمان، الذي ينتمي إلى تيار الإدارة الأمريكية المناهض للمغرب، إلى جانب سوزان رايس، ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس، ومؤسسة كينيدي التي تضغط على الكونغرس ضد المغرب.
وتابع نور الدين، في تصريح لهسبريس، أن ما قاله كي مون يعود أساسا إلى مساعده فيلتمان، في حين يبقى المقصود في خطاب الملك هو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتان تحاولان تبنّي خطاب حقوق الإنسان من أجل خدمة مصالحهما، فيم تبحثان عن إعادة ترتيب خريطة العالم انسجاما مع مصالحهما الاقتصادية، خاصة عندما يتم الحديث عن الشركات البريطانية للتنقيب واستغلال النفط في الجزائر.
وذكّر الباحث في العلاقات الدولية بخطاب سابق للملك في الأمم المتحدة تلاه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، انتقد من خلاله ازدواجية معايير القوى الكبرى مع المغرب، خاصة في ما يرتبط بمحاربة الإرهاب والجماعات المسلحة والهجرة السرية من جهة، وقضية الصحراء من جهة أخرى.
قرارات مدروسة أحمد نور الدين وخلال حديثه عن التحالفات التي يطمح المغرب إلى بنائها، عرّج على دراسة للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية دعت إلى ضرورة مواجهة الضغوطات الخارجية من خلال تنويع الشراكات؛ إذ في حال تم الاعتماد على شريك واحد، فإن المغرب سيكون في خطر، وهنا تدخل مسألة تنويع الشراكات مع كل من روسيا والصين والهند، الدول التي تدخل ضمن مجموعة "البريكس"، في حين تبقى البرازيل مستبعدة من التحركات الأخيرة نظرا لوضعها الداخلي المتأزم، وجنوب إفريقيا المعروفة بعدائها للمغرب.
وفي ما يخص التحركات الروسية في عدد من القضايا خلال الآونة الأخيرة، أوضح نور الدين أن موسكو طعِنت من الدول الغربية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي؛ حيث لم تف العواصم الغربية بتفاهمها مع موسكو بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أوروبا الشرقية التي انضمت عدد منها إلى حلف الناتو، ما جعل روسيا تضم جزيرة القرم، وتلعب دورا مركزيا في سوريا التي ليست إلا انعكاسا للأزمة الأوكرانية.
واعتبر المتحدث ذاته أن مجالات التعاون بين المغرب وروسيا لا تقتصر فقط على ما هو سياسي، بل تمتد إلى ما هو اقتصادي، مشددا على أن روسيا تبحث عن المنتجات المغربية التي يصدر أغلبها إلى أوروبا، مبرزا أن روسيا يمكن أن تكون متنفسا للمنتوج المغربي بالنظر إلى قرار المحكمة الأوروبية الأخير، وذلك في إطار مبدأ "الفائدة المتبادلة" بين البلدين.
وذكّر نور الدين بدور "الدبّ الروسي" في الإطاحة بمشروع الخارجية الأمريكية الذي تقدمت به سوزان رايس من أجل توسيع صلاحيات المينورسو، موضحا أن موسكو هي التي رفضت هذا المقترح من الناحية المبدئية، خاصة مع توجسها من تدخل مجلس الأمن في مسألة حقوق الإنسان؛ إذ كانت دائما تدعو إلى أن تكون القضايا السياسية حكرا على مجلس الأمن، والقضايا الحقوقية تناقش في مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وتابع الباحث في العلاقات الدولية أن التحالفات المغربية الأخيرة ليست ردود فعل، وإنما تقوم على تقرير المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، في وقت تطالب فيه روسيا بأن تكون شريكا للمغرب في مجال الطاقات والأسلحة والتعاون الأمني، مستدلا على ذلك بمحطة الغاز المسال في الجرف الأصفر التي يساهم الروس في قيمة استثمارها البالغة أربعة ملايير دولار.
شراكات صينية هندية أما عن الشراكة المغربية الصينية، فكشف أحمد نور الدين أن 18 اتفاقية إستراتيجية كان من المنتظر أن يتم توقيعها، لكنها تأجلت، بالإضافة إلى بحث الصين عن محطة نووية في المغرب، في حين تريد المملكة أن تقلص من استعمال الطاقة الأحفورية، وذلك من خلال محطة طرفاية.
وتابع المتحدث ذاته أن الصين تبحث عن اتفاق للتبادل الحر مع المغرب، على غرار مع قام به مع عدد من الدول الأجنبية، إلا أن المملكة متوجسة من غزو المنتجات الصينية؛ إذ ستكون هذه الاتفاقية بمثابة "انتحار" لأنها ستضر بالصناعة المغربية، على حد تعبير نور الدين.
إلى جانب ذلك، تحضر رؤية الصين للقارة الإفريقية؛ حيث تطمح بيكين إلى استثمار 60 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، كما تم الإعلان عن ذلك خلال القمة الإفريقية الصينية الأخيرة بجوهانسبورغ التي كان المغرب من بين المشاركين فيها.
وعن موقف الصين من الانفصال، يرى الباحث في العلاقات الدولية أنها تقف إلى جانب المغرب، بالنظر إلى المشاكل التي واجهتها مع التايوان وهونغ كونغ وماكاو.
في مقابل ذلك، تبقى الشراكة المغربية الهندية قائمة للاستفادة من هذا البلد خلال السنوات العشر المقبلة؛ حيث تعتبر الهند الشريك الأول للمكتب الشريف للفوسفاط، بالإضافة إلى شراكات أخرى في مجال إنتاج الأسمدة الفلاحية وغيرها. كما يمكن للمغرب أن يستفيد من استثمارات في مجال صناعة السيارات، على غرار الاستثمارات الأخيرة لـ"رونو" و"بوجو".