يبدو أن المهرجانات الخطابية والتصريحات المتكررة لأمناء الأحزاب السياسية لم تعد تغري حزب الأصالة والمعاصرة، وخاصة أمينه العام إلياس العماري. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه حمى الانتخابات بين زعماء الأحزاب، وبدأت تخرج إلى العلن خلافات من داخل الحكومة، وتودد، في المقابل، من أحزاب في المعارضة للحزب الحاكم، اختار "الجرار" طريقا جديدا تمثل، بالأساس، في مبادرات شخصية قادها العماري.
العماري خطف الأضواء، كذلك، خلال زيارته إلى إقليم كردستان العراق، خاصة من خلال ارتدائه الزي الكردي الذي جعل صوره تنتشر على نطاق واسع، واستغل فرصة زيارته تلك للتأكيد على دعم إقليم كردستان العراق لمقترح الحكم الذاتي. وحول الملف نفسه، يُحسب لابن الريف زيارته للأورغواي في وقت سابق، قبل أن ينتخب أمينا عاما للـ"PAM"، وهي الزيارة التي تكللت بالنجاح من خلال سحب الأورغواي اعترافها بجبهة البوليساريو.
حزب الأصالة والمعاصرة استمر في جذب الأنظار إليه على بعد حوالي ستة أشهر على الموعد الانتخابي المقبل، واختار الوقت المناسب ليعيد إلى خزينة الدولة مبلغ 92 مليون سنتيم غير مستعملة من دعم الدولة للحملة الانتخابية، رغم أن "البيجيدي" سبقه إلى ذلك وأعاد حوالي مليارين سنة 2012.
وقد انضافت الاستقالة التي قدمها محمد أشرورو، البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، من مجلس النواب، أمام رئيس الحكومة وبحضوره، نتيجة ما اعتبره فسادا بالقطاع الصحي بالجماعة التي يرأسها، إلى مجموع "النقط" التي يحاول حزب الأصالة والمعاصرة مراكمتها قبل موعد السابع من أكتوبر المقبل.
مبادرات مباشرة
يرى بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الأحزاب السياسية تحاول اللعب على واجهتين؛ أولها استكشاف إمكانيات التحالفات مع باقي الهيئات السياسية، لكن، في المقابل، هناك محاولات للتميز عن باقي الفعاليات الأخرى، وحزب الأصالة والمعاصرة معني أكثر بهذه النقطة.
وتبقى إمكانيات التميز لدى "البام"، بحسب المرزوقي، ليس فقط بالخطاب السياسي النظري، بل باتخاذ مبادرات عملية في شكل وعود أو برامج يشرع في تنزيلها في مختلق المؤسسات التي يشغلها، كمجالس الجهة مثلا.
"في هذا الصدد، يلاحظ أن المبادرات التي يقوم بها حزب الأصالة والمعاصرة، خاصة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة، تكون في حاجة إليها، وهو الشيء الذي يخلف ردود فعل إيجابية لدى المواطنين"، يضيف المتحدث نفسه.
كما أن المبادرات الوطنية التي قادها إلياس خارج أرض الوطن ترسم للرجل صورة التفاني في الدفاع عن القضية الوطنية، ولعل الزيارتين اللتين قام بهما إلى كل من إقليم كردستان العراق والأورغواي تأكيد على ذلك.
وخلص المرزوقي، في تصريحه لهسبريس، إلى أن "البام" حدد هدفه بشكل واضح بالاعتماد على مبادرات مباشرة تلبي حاجيات ومتطلبات الساكنة، خاصة في الجهات التي يرأسها، كنوع من الاستعداد للانتخابات، وبالتالي على باقي الأحزاب، وبدلا من الرجوع إلى البرامج الإيديولوجية والاجتماعية، التركيز على ما ينجز على أرض الواقع.
توجه جديد
من جهته اعتبر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، أن التوجه الأخير لحزب الأصالة والمعاصرة وأمينه العام لا ينفي الاعتماد على المهرجانات الخطابية، لكن بموازاة ذلك اعتماد وسائل أخرى تخدم صورة الحزب، وهذا ما تقوم به باقي الأحزاب كذلك، لكن بمستويات مختلفة.
فبالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، يضيف بوخبزة، لا أحد يغفل توجهه الجديد، لكنه مرتبط بشكل أساسي بشخص الأمين العام الذي تميز بأسلوبه الخاص حتى قبل أن يصبح أمينا عاما، من خلال ممارساته وسلوكياته وكذلك تحركاته، "كما أن خصوصية الزعامة لدى العماري تختلف عن باقي الزعامات الحزبية الأخرى"، يوضح المتحدث.
وحول ما إذا كانت لهذه المبادرات أهداف سياسية تدخل ضمن الاستعداد للموعد الانتخابي المقبل، نفى العمراني، بشكل قاطع، هذا الطرح بحكم أن تحركات العماري، بالخصوص، كانت حتى قبل أن يصبح أمينا عاما للحزب، "لكن هذا لا ينفي الاستعدادات الانتخابية الحاضرة بقوة لدى جميع الأحزاب السياسية بحكم أنها على دراية مسبقة بموعد الانتخابات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق